الرجل الحقيقي
الرجل الحقيقي
كثيرًا ما يطلق الناس كلمة رجل على الفتى الذي وصل إلى سن الشباب، وارتفع جسده طولاً وعرضًا، فإذا ما اختبرناه في دنيا الرجولة الحقيقية وجدناه طفلاً صغيرًا غير قادر على تحمل المسئوليات الجسام؛ ولذلك عندما ننظر إلى مفهوم الرجولة الحقيقية في الإسلام نرى أنها لم تطرح من باب الفرق النوعي بين الذكر والأنثى ولا من باب الفرق السني بين الكبار والصغار؛ ولكن الإسلام عرض للرجولة من بوابة الإيمان التي إذا ما دخل منها العبد وسار في حياته على هديها جعلت منه عملاقًا سامق القيمة والقدر، وانظر إلى أمثلة الرجولة في القرآن الكريم نراها كلها أمثلة مضيئة مشرقة تدل في مجموعها على أن الرجل الحقيقي هو القادر على الثبات بدينه وعقيدته ومبادئه أمام متغيرات الحياة ومغرياتها، وأعلى هؤلاء الرجال قدرًا الرسل والأنبياء عليهم السلام الذين قال الله عنهم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (7)﴾ (الأنبياء)، نعم إن الله وصفهم بالرجال دلالة على النوع؛ لأن الله لم يرسل نساءً، ودلالة أيضًا على همتهم العالية وسمو قدرهم في دنيا التوحيد الإلهي الذي واجهوا في سبيل الدعوة إليه صنوف الاضطهاد والتعذيب، ولكن ما لانت لهم قناة وما انكسرت لهم عصا، فهل ضعف إبراهيم وتراجع عن دعوة الحق عندما قال قومه ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)﴾ (الأنبياء)، بل إنه كان واثقًا من نصر الله سبحانه القائل ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)﴾ (غافر)، وبجانب علو الهمة والثبات على الحق فقد تخلق هؤلاء الرسل والأنبياء بأخلاق الله سبحانه، ولا عجب فإنهم قد تربوا على عين الله، وتأدبوا بأدبه سبحانه وتعالى، فهذا موسى عليه السلام الذي قال له الله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)﴾ (طه)، ومن ثم نشأ موسى رجلاً عملاقًا يراعى الحرمات ويحافظ على حدود الله فيها فانظر إليه ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ (القصص: من الآية 23) ووجد امرأتين تقفان بعيدًا تمنعان غنمهما من الوصول إلى البئر فلما سألهما، أخبرتاه أنهما فتاتان ضعيفتان، لا تقويان على مجاراة الرجال، فتبتعدان حتى يفرغ القوم من سقيهم ثم يسقيان وأبوهما شيخ كبير فسقى لهما وساعدهما في شدتهما، يقول المولى عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)﴾ (القصص).
فكن يا اخي رجلا كالرسول (صلى)ولا تكن غير ذلك